- أحاديث رمضان
- /
- ٠13رمضان 1427هـ - صلاح الأمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس صلاح الأمة في علو الهمة ، والموضوع اليوم: إدارة الوقت.
حقائق متعلقة بالوقت:
هناك حقائق متعلقة بالوقت خطيرة جداً:
الحقيقة الأولى: الإنسان وقت:
أنك أيها الإنسان وقت، أنك أيها الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، أنك أيها الإنسان لا تملك أثمن من الوقت، بل إن رأس مالك الوحيد هو الوقت، بل إن الله سبحانه وتعالى أكد في سورة العصر أنك خاسر مهما كنت، وفي أي حجم وجدت، وبأي ثروة تملكها، وبأي مكان تسمو إليه فأنت خاسر، لأن مضي الوقت يستهلكك، والإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن، آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
الحقيقة الثانية: الناجحون أحسنوا استغلال وقتهم:
أيها الإخوة، العلماء الكبار الناجحون في الحياة، العلماء العاملون، أعلام الأمة الذين عرفوا الله، وعرفوا منهجه أحسنوا استغلال الوقت.وسأبين لكم أن الإنسان أحياناً دون أن يشعر مركب في أعماق أعماقه أن الوقت أثمن من المال، بدليل أنه ـ لا سمح الله ولا قدر ـ حينما يصاب بمرض عضال، وتقتضي العملية التي يرجو منها فيما يتوهم أن يعيش بضعة سنوات زيادة على وضعه الحالي يبيع أثمن شيء يملكه، يبيع بيته، ويجرب العملية، لعله يعيش سنوات عديدة.
ففي أعماق الإنسان مركب أن الوقت أثمن من المال، الآن بناءً على هذه الحقيقة:
الحقيقة الثالثة: لا يضيِّع الوقت إلا سفيه:
لو أن واحد منا أمسك مئة ألف ليرة وأحرقها أمامنا، ما الحكم القطعي على عقله ؟ سفيه، حكم قطعي، مئة ألف تحل بها بعض المكلات، تحرقها ؟ فإذا كان إحراق مئة ألف ليرة يصف الإنسان بالسفه، فكيف إذا أتلف وقته ؟ وهو أثمن من المال.لذلك المؤمن يحرص على وقته لأنه رأس ماله الوحيد، ولا يندم المرء يوم القيامة إلا على ساعة مضت لم يحسن استغلالها، وما من إنسان على وجه الأرض عرف كيف يستغل وقته كرسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك أقسم الله بعمره الثمين.
الحقيقة الرابعة: العمر مدة سفر الإنسان في الدنيا:
يقول بعض العلماء: " العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه، ومدة سفره هي عمره الذي كتب له "، العمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه، ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل لسفره.
الحقيقة الخامسة: اغتنم يومك الجديد:
النبي الكريم علمنا أنه إذا استيقظت فقل:
(( الحمد الله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره ))
لقد سمح لي أن أعيش يوماً جديداً، هذه النقطة الدقيقة، حينما تستيقظ معنى ذلك أن الله سمح لك أن تعيش يوماً جديداً.
فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل، لذلك ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
الحقيقة السادسة: الوقت من النعيم المسؤولِ عنه:
أيها الإخوة، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ ))
لذلك:
﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾
بعض العلماء فسر النعيم بوقت الفراغ، لأن هذا الوقت يمكن أن تستغله في طاعة الله، ويمكن أن تنفقه هدراً، ويمكن أن يكون ممتلئاً بالمعاصي والآثام، الحالة الأولى هي التوفيق، والثانية غباء، والثالثة خطأ كبير.
الحقيقة السابعة: من علامات تخلف الأمة عدم القيمة الوقت عندها:
إنّ قلة من الناس قليلة جداً تحسن إدارة الوقت، ومن علامات التخلف في أمة أن الوقت لا قيمة له إطلاقاً، يمضي الإنسان ساعات طويلة في أعمال تافهة، في أعمال لا تقدم ولا تؤخر.
وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ: فما هو النذير ؟!
لذلك يعاتب الله عز وجل هؤلاء الذين استحبوا العذاب، يقول لهم:
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
القول الأول: القرآن:
قال الإمام القرطبي: النذير هو القرآن الكريم، لأن فيه مشاهد من يوم القيامة.
القول الثاني: النبي عليه الصلاة والسلام:
وقال بعض العلماء: النذير هو النبي عليه الصلاة والسلام بأحاديثه:
(( أكثروا ذكر هادم اللذات ))
مفرق الأحباب، مشتت الجماعات.
((عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
القول الثالث: سن الأربعين:
وقال بعض العلماء: النذير هو سن الأربعين، فمن دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، وفي بعض الآثار: أنه من بلغ الأربعين، ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار، وسن الأربعين سن النضج، فماذا يليق بك أن تفعل في هذا العمر ؟ ودائماً لو سافر الإنسان ففي آخر قسم من السفر تنعكس خطته، يشتري بطاقات العودة، يشتري الهدايا، يهيئ نفسه لمتابعة عمله في بلده، إذاً: لا بد بعد حين من الزمن من أن تغير الخطة، من دخل في الأربعين فقد دخل في أسواق الآخرة، فالنذير هو سن الأربعين.
القول الرابع: سن الستين:
وبعضهم قال: سن الستين .
القول الخامس: الشيب:
وبعضهم قال: الشيب.
" عبدي كبرت سنك، واضعف بصرك، وانحنى ظهرك، وشاب شعرك، فاستحي مني، فإنا استحي منك ".
القول السادس: المصائب:
بعضهم قال: النذير المصائب.
الآية الدقيقة جداً:
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا ﴾
يوم القيامة:
﴿ رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾
وفي آية أخرى:
﴿ فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يجعل من المصيبة رسالة إلى الإنسان، فهي نذير.
القول السابع: موت الأقارب:
وموت الأقارب نذير
إنّ كل إنسان له عمر، أحياناً بضعة أشخاص في عمره تماماً يموتون، معنى ذلك أنه اقترب الأجل، أدق موعظة إنسان عمره 30 ـ 40 ـ 50 ـ 55 ـ 60، يفاجَأ أن صديقه توفي، والثاني توفي، فموت الأقارب والأنداد أيضاً رسالة.
القول الثامن: تنبيهات نهاية العمر:
وبعضهم قال: النذير كل شيء في الحياة الدنيا يدعوك إلى أن نتنبه إلى نهاية العمر .
ولك الساعة التي نت فيها !!!
أيها الإخوة، ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، والحقيقة أننا لا نملك إلا الساعة التي نحن فيها، الماضي مضى ولم يعود، والمستقبل لا تملكه.
كنت أذكر قصة مرات عديدة، هذا الذي حدثني عن خططه لعشرين عاماً قادمة، ثم فوجئت أن نعوته قرأتها في اليوم نفسه، إنك لا تملك المستقبل، وما مِن إنسان ليس في ذهنه مئات الخطط للمستقبل، فيأتي ملَك الموت ويلغي كل هذه الخطط، وإذا زرت مقبرة فاعلم علم اليقين أن كل هؤلاء الموتى ماتوا، ولم ينجزوا أعمالهم، كل واحد كان عنده أحلام وخطط، وطموحات، وجاء الموت فأنهاها.
الموت لحظة فراق أسرع من لمح البصر:
إنّ الإنسان بكل ما يملك من قوة، وهيمنة، وجبروت، وغنى، ومكانة، ومنصب منوطٌ بدقات القلب، وقف القلب انتهى كل شيء، كل أملاكه صارت لغيره، أموال منقولة، وغير منقولة، وعملات أجنبية، وأسهم، وشركات، وقف القلب فانتهى كل شيء، كل ما يملك انصرف إلى غيره.
فلذلك إذا وضع الإنسان البيض كله في سلة واحدة فهو أكبر مُقامر، وأكبر مغامر، لا بد من أن تعمل عملاً يسبقك إلى الآخرة، فإذا جاء الموت رأيت العمل أمامك.
﴿ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾
الأيام خمسة: مفقود ومشهود ومورود وموعود وممدود :
فلذلك هناك يوم مفقود، ويوم مشهود، ويوم مورود، ويوم موعود، ويوم ممدود، المفقود الماضي، والمشهود الحاضر، لا تملك إلا اليوم المشهود، فأمامك يوم مورود: الموت، واليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم الممدود: الأبد، الأبد، يوم القيامة الموت، لا ينجو أحد من هذه الأيام الثلاثة، وأخطرها يوم المشهود، لذلك ورد في بعض الآثار: " هلَك المسوِّفون ".
قالوا: الفوت ـ وهو ضياع الوقت ـ أشدُّ من الموت، لأن الفوت انقطاع عن الحق، والموت انقطاع عن الخلق، ولما علِم الصالحون قصر العمر، حدثهم الحادي، وسارعوا، وطووا مراحل الليل والنهار انتباهًا للأوقات.
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾
بركة الوقت:
وقال بعض العلماء: إذا أراد الله بالعبد خيراً أعانه بالوقت، وجعل وقته مساعداً له، والمؤمن يجعل الله له بركة في وقته، ففي وقت قليل ينجز العمل الكثير، بعض العلماء أحصوا مؤلفاتهم بعد موتهم، وقسموها على أيام عمرهم، فكان نصيب كل يوم تأليف تسعين صفحة، تسعين صفحة كل يوم، قسموا المؤلفات على عمره.
وأحياناً يمكن أن تنجز في الوقت القليل أعمالاً جبارة، هذا من توفيق الله عز وجل.
لذلك، أخشى ما نخشاه أن يذهِب اللهُ البركةَ من أعمارنا، فقد يشتغل الإنسان بسفاسف الأمور، فبخطأ آلةٍ يهدر له من وقته أسبوعاً، بخطأ في تركيب آلة، أو ينكسر شيء ما، فيحتاج إلى مراسلة، وإلى سفر، وتوقف المعمل، وحينما لا يؤدي الإنسان طاعة الله ، ولا يؤدي العبادة فإن الله عز وجل قادر أن يتلف له وقته، وهناك أمثلة كثيرة جداً:
يمكن أن تضيع ساعات وساعات، وأشهر وسنوات في موضوع لو لم يكن لكنت في غنى عن كل هذا الوقت، فلا تضنّ بوقت تصلي فيه، أو تؤدي فيه العبادة، أو تحضر مجلس علم، لأنك إن ضننت يؤدب الله عز وجل هذا الإنسان بإتلاف وقته.
كل منا له أسرة، ترتفع الحرارة عند ابنك، يقول لك الطبيب: لعله التهاب سحايا، فيأمره بإجراء تحليل، وتصوير، حركة كاملة مدة أسبوعين أو ثلاثة، مع عشرة آلاف ليرة، بعدها ظهر التشخيص خطأ، تدفع المال، وتبذل الوقت، وتتحطم أعصابك، والموضوع كان من الممكن أن لا يكون له وجود إطلاقاً.
إنّ كلّ إنسان يضن على ربه بأداء العبادات، أو بحضور مجلس علم، أو بعمل صالح، الله عز وجل قادر يتلف له وقته.
أحياناً يركّب إنسان محركا، وهناك قطعة يجب أن تكون في أول مرحلة، ينساها، بعد سبع ساعات يجد هذه القطعة، يضطر أن يعيد تركيب المحرك مرة ثانية، الله قادر أن يتلف لك عشرات الساعات.
لا تشتغل بالندم الوقت الفائت !!!
إن الاشتغال بالندم على الوقت الفائت تضييع للوقت الحاضر، تجلس مع إنسان، فإذا به يتحسر في كل الجلسة، أن أرضًا عرضوها عليه وما اشتراها، ارتفعت مئة ضعف، يبقى عشرين سنة محروق القلب، ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها.
هناك شخص نمطه نمط تحسر، يعيش أخطاء الماضي، ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك السعة التي أنت فيها.
من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته، وعظم فواته، واشتدت حسراته، فكيف حاله إذا علم عند تحقق الفوت مقدار ما أضاع، وطلب الرجعة، فحيل بينه وبين الاسترجاع، وطلب تناول الفائت، وكيف يرد الأمس في اليوم الجديد، وأن لهم التناوش من مكان بعيد.
من علامات المقت إضاعة الوقت:
ومن علامة المقت: إضاعة الوقت، إن أردت أن تعلم ما إذا كان الله يحبك أو يمقتك من وقتك، إذا ضاع الوقت، الوقت يضيع في القيل والقال، والجدال، والمشكلات، وقد تجد وقتًا ثمين يستهلك في الخصومات، بيت كله خصومات، الشيطان داخل فيه، كل يوم في مشكلة تافهة، وأعصاب متوترة، ونفوس نافرة، ووضع معقد.
من السعادة التوفيق في إدارة الوقت:
حينما يوفق الإنسان إلى إدارة وقته، واستغلال وقته فهو من السعداء، أؤكد لكم مرة ثانية أنه ما من 3 % من الناس يحسنون إدارة الوقت.
قد يكون عند الرجل مجموعة أعمال لا يضع لها خطة، يذهب إلى أقصى مكان في المدينة، ثم يعود إلى هنا، ثم يذكر أن له قضية ثانية في المكان نفسه، فتضيع ساعات.
فلذلك أيها الإخوة، أكبر إنجاز لك أن تحسن إدارة الوقت، لذلك سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول:
" الليل والنهار يعملان فيك ".
أوضحُ مثلٍ: انظر إلى صورة لك قبل خمسين عاماً، أو قبل عشرين، هناك فرق كبير جداً، هذا من فعل الليل والنهار.
" الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما ".
الوقت بين الإنفاق الإستهلاكي والإنفاق الإستثماري:
الوقت إما أن تنفقه استهلاكاً، وإما أن تنفقه استثماراً، ينفق الوقت استهلاكاً كما يفعل معظم الناس، يأكلون، ويشربون، ويتمتعون، ثم يفاجؤون بالموت، وأيدهم صفر، ليس لهم عمل صالح، أما المؤمن فينفق الوقت استثماراً، يفعل في الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعه بعد انقضاء الوقت.
أربعة أشياء من فعلها في يومه لم يخسر:
لذلك الذي ينفعه أربعة أشياء:
1 – جلسة إيمان:
﴿ وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
2 – عملٌ صالح:
﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
3 –التواصي بالحق:
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
4 – الدعوةُ التواصي بالصبر:
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
إن فعلت هذه الأشياء أو بعضها في اليوم فأنت لست بخاسر، أما إذا غفلت عن هذه الأربع، وحصلت أكبر ثروة، فأنت خاسر، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( سبع يجري للعبد أجرهن، وهو في قبره بعد موته: من علّم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته ))
احرص على عمل يستمر بعد الوفاة.